أقلام

الحماية الاجتماعية في الجزائر

في جميع بلدان العالم، لا تتحمل العائلات نفقات الاستهلاك العائلي بأكمله, فنفقات الصحة والتعليم والإسكان والنقل مهمة تتحملها الدولة أو الضمان الاجتماعي يتحقق ذلك من خلال المجموعة الوطنية التي تلبي إليها جزء من الاحتياجات الأساسية الاجتماعية والاقتصادية من خلال إعادة التوزيع الضريبي والاجتماعي.
فإنها تكون على شكل دعم أسعار المواد المنتجة أو المستهلكة أو على شكل إرادات فردية أو جماعية تدفع على عاتق ميزانية الدولة أو الضمان الاجتماعي.
فانعدام المساواة والفوارق من حيث الدخل النقدي (قبل إعادة التوزيع) واضحة في جميع أنحاء العالم و لكن بفضل إعادة التوزيع من خلال فرض ضرائب متدرجة وتحويلات اجتماعية ، يتم تقليل التفاوت في الدخل بين السكان.
فسياسة إعادة التوزيع تسمح بالتقسيم على اثنين الفوارق الاجتماعية بين الأغنياء والفقراء (بين 20٪ من الأسر ذات الدخل المرتفع و 20٪ من الأسر ذات الدخل المنخفض) وهذا الفارق يقلص أكثر بين نقيضي المجتمع بعد توزيع الدخل , فإذا ما أخذنا مؤشر المعشار décile (10٪ من السكان) نستطيع التقسيم على ثلاثة( 3) ، وتساهم التحويلات الاجتماعية للحد من عدم المساواة في الدخل الأولي من الثلثين (2/3) (مصدر منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية OCDE) .

يقدم الضمان الاجتماعي جميع التدابير والأجهزة والخدمات للمؤمنين الاجتماعيين للحد من هشاشة المعيشة عن طريق حمايتهم من المخاطر المعروفة اجتماعيا والمعاينة فرديا (المرض والأمومة والعجز والحوادث والبطالة والشيخوخة).
وهو يختلف عن نظام الحماية الذاتية الفردية، القائمة على الثروة، أو عائدات رأس المال، أو التأمين، أو المدخرات الخاصة.
في الجزائر ، تعتبر الأجور منخفضة للغاية ولا تمثل سوى 28٪ من الناتج المحلي الخام PIB مقابل 50٪ أو حتى 75٪ بالنسبة للبلدان المتقدمة , في عام 1993 كانت هذه النسبة في الجزائر تمثل 34.5٪ وفي عام 1987 تجاوزت 40٪ ، وليس سرا أن ضريبة دخل الأجراء قد تجاوزت ضريبة ربح الشركات منذ عام 2011 وتمثل حاليا 170٪ من قيمتها.
وعلى هذا الأساس فإن التحويلات الاجتماعية الناتجة عن التضامن الوطني والضمان الاجتماعي المبني على التضامن المهني تلعب دوراً هاماً في التنمية الاقتصادية والاجتماعية وفي مكافحة الفقر وعدم المساواة وتشكل عنصراً هاماً في مداخيل السكان ، حيث أن الأسعار الدولية المرتفعة للغذاء والصحة والطاقة بعيدة عن دخل الساكنة.
في السنوات الأخيرة ، نلاحظ تراجع تدريجي لكن ممنهج لسياسة الحماية الاجتماعية , تم تخفيض الميزانيات المخصصة للسكن الاجتماعي وترقية العمل والتعليم والتدعيمات المختلفة.
تم الإعلان عن سياسة تستهدف التقليل من حجم الإعانات الموجهة للفقر المدقع لفائدة أرباب العمل بالرغم ، من أن إجمالي الإنفاق على التحويلات الاجتماعية والضمان الاجتماعي لا يمثل سوى 14٪ من الناتج المحلي الإجمالي PIB مقارنتا بأكثر من 22٪ بالمعدل المتوسط في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OCDE .
فمثلا في السويد والدانمارك ، وعلى عكس التصريحات المضحكة لبعض المسئولين ، فإن الإنفاق الاجتماعي لا يساوي 3% بل يتجاوز 28٪ من الناتج المحلي الإجمالي ، ضعفين حجم الانفاق في الجزائر.
فهم مستعدون لإلغاء دعم المواد الغذائية واسعة النطاق ، والتي يمثل 0.88٪ من الناتج المحلي الإجماليPIB مقابل 1.9٪ في تونس .في الجزائر الواردات تم تضخيم فوترتها حسب تصريح وزير سابق في حدود 30% و بمبلغ 18 مليار دولار الذي يمثل وحده 8 أضعاف مبلغ دعم المواد الغذائية وإذا أضفنا الضرائب الغير محصلة والمقدرة من طرف مجلس المحاسبة ب120 مليار دولار سيكون لدينا مدخرات لمدة 60 سنة من الدعم الغذائي!

بالنسبة لتدعيم مواد الطاقة:
من أجل حرمان الجزائريين من الطاقة ، منذ عام 2015 تضاعفت أسعار الوقود بالفعل وارتفعت أسعار الكهرباء بحجة أن “دعم الطاقة” باهظ التكاليف بالنسبة للدولة ولكن في الواقع فإن الدولة لا تدعم بأي حال من الأحوال أسعار مواد الطاقة والكهرباء التي تباع في السوق الوطنية بأسعار أقل من تكلفتها.
بالنسبة لصندوق النقد الدولي و”خبرائه”، فإن الخدعة تتمثل في حساب “الإعانات” ليس كفارق بين سعر التكلفة وسعر البيع “ولكن بين سعر البيع المحلي” والسعر الدولي ” , كما أنه من الغريب أن خبراء صندوق النقد الدولي يستمرون في تقديم لنا مبالغ تدعيم مواد الطاقة التي نشرها صندوق النقد الدولي في عام 2015، ويتناسون أن في سنة 2018 ليس فحسب تضاعف سعر الوقود بالمضخة مقارنتا ب) 2005 ) لكن أيضا أن الأسعار الدولية للخام BRENT قد انخفضت.
لا يوجد إجماع دولي حول سياسات دعم الطاقة أو حتى “تعريفها” وبالتالي ، فإن المؤسسات التي تخدم لصالح الشركات متعددة الجنسيات (صندوق النقد الدولي ، IEA ، OECD ، البنك الدولي) تعتبر دعما “كل شيء لا يؤدي وكلاء إنتاج الوقود للحصول على غالبية الريع الثابت بالنسبة للسعر الدولي لمواد الطاقة ، و هو الأمر الذي يرفضه الاقتصاديون في البلدان المصدرة للبترول ومنظمة الأوبك OPEP. و هؤلاء يعتبرون الأمر شرعي أن تؤخذ التكلفة الهامشية على المدى الطويل كمعيار للبشمركينج BENCHMARK، لأن هذا خيار سياسي بمقتضاه يجعل المستهلكون المحليون يستفيدون من الريع، وليس شركات النفط الوطنية وما وراءها الميزانية العامة “(IEA et al.و الشركات الدولية (2010) .
وأخيرًا ، فإن إحدى أكثر الحجج استخدامًا في الآونة الأخيرة هي التجربة الإيرانية ” إصلاح سياسة الدعم” التي تعتبر ناجحة وعلى الجزائر أن تتبعها , هذا خداع آخر يتعارض مع الحقيقة لأن هذه التجربة كانت فشلاً حقيقياً دفعت البرلمان الإيراني ، في نهاية 2010 ، إلى وضع حد لهذا الإصلاح على إثر تضخم الأسعار التي ولدتها هذه السياسة في الحصيلة النهائية, ما زال 75٪ من الإيرانيين (وليس 20٪ أو 40٪) يتلقون المساعدات المعاد توزيعها ، وزيادتا على هذا لا تزال الأسعار مدعومة , وكدليل على ذلك اليوم 13 أكتوبر 2018 ، يمثل سعر اللتر من البنزين بالمضخة ما يعادل 34 دج مقابل 42 دج في الجزائر , يبلغ سعر اللتر من وقود الديازال الأكثر استخدامًا في كل من الجزائر وإيران23( دينارًا في الجزائر مقابل 8 دج في إيران) وتجدر الإشارة أيضًا إلى أن الأجر الأدنى المضمون SMIC في إيران يمثل ضعف SNMG في الجزائر.
إذن أين هو هذا النجاح الإيراني المزعوم في إزالة تدعيمات الطاقة؟
وأخيرا فمن المستغرب أن مناهضي سياسات الدعم يركزون هجماتهم على “دعم الطاقة” التي من أجلها الدولة لا تدفع أي قرش من الخزينة ولم يقولوا ولا كلمة واحدة منذ سنة 2015 حول موضوع “الإعانات الضريبية” (الإعفاءات والتخفيضات في شكل هبات ضريبية) التي بلغت في عام 2014 ، 14 مليار دولار وفقا لتقديرات وزارة المالية.

إعداد و تقديم نورالدين بودربة : خبير في القوانين الإجتماعية

ترجمة بقلم : الأستاذ مراد شوقيات مستشار رئيس الإتحاد unpef

المصدر : صفحة فايس بوك الأستاذ مراد شوقيات

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى